
حضور جماهيري أسطوري يقابله أداء باهت على الميدان
شهد مركب محمد الخامس بالدار البيضاء واحدة من أكثر المباريات المنتظرة في البطولة الوطنية، ديربي الوداد والرجاء، إلا أن اللقاء الذي كان يفترض أن يكون عرسا كرويا تحول إلى مشهد باهت خال من المتعة والإبداع. الجمهور رسم لوحات فنية مبهرة بالأهازيج والتيفوهات والألعاب الضوئية، لكن ما جرى فوق المستطيل الأخضر كان بعيدا تماما عن التطلعات.
بداية مرتبكة وإصابة مبكرة لبدر بنون
بدأ اللقاء بنسق منخفض رغم الحماس الكبير في المدرجات، ومع الدقائق الأولى تعرض بدر بنون، قائد الرجاء، لإصابة أربكت حسابات المدرب ودفعته إلى تغييره بإسماعيل مقدم. هذا التغيير المبكر أثر على توازن الفريق الذي حاول فرض سيطرته من خلال الاستحواذ السلبي دون فرص حقيقية.
مباراة بلا إبداع ولا حلول هجومية
لم ينجح أي من الفريقين في تقديم أداء يليق بتاريخ الديربي. الوداد اكتفى بالتراجع والدفاع مع الاعتماد على المرتدات العقيمة، بينما ظل الرجاء يحاول بناء اللعب ببطء ممل دون أي تهديد حقيقي. غابت اللمسة الفنية والخيال التكتيكي، وغابت معها المتعة التي ينتظرها الجمهور كل عام. وكأن الفريقين دخلا المباراة بنية الخروج بالتعادل فقط.
توقفات متكررة وفوضى داخل الملعب
شهد اللقاء توقفات عديدة بسبب الشهب النارية والدخان الكثيف القادم من المدرجات، إضافة إلى كثرة الأخطاء والاحتكاكات البدنية. الحكم اضطر لإضافة ما مجموعه 23 دقيقة كوقت بدل ضائع، وهو رقم غير مسبوق في البطولة. هذه التوقفات المتكررة قطعت الإيقاع وقتلت ما تبقى من روح اللعب.
غياب الهوية التكتيكية وافتقار الشجاعة
المدربان معا يتحملان جزءا كبيرا من مسؤولية هذا الأداء المتواضع. فالوداد بدا فريقا دون خطة واضحة، يفتقر للتدرج في البناء والهجوم المنظم، بينما اعتمد الرجاء على أسلوب عرضي مكرر دون عمق أو سرعة في التنفيذ. غابت الحلول الفردية والجماعية، وكأن اللاعبين يلعبون بدون هدف واضح سوى تفادي الخسارة.
جماهير تستحق أفضل مما قُدم
إذا كان هناك من يستحق الإشادة في هذا الديربي، فهم الجماهير فقط. المدرجات كانت لوحة فنية حقيقية جمعت الإبداع والولاء والانتماء. رغم الأداء المخيب، لم يتوقف الأنصار عن التشجيع والهتاف. لكن في المقابل، شعر الكثيرون بخيبة أمل من المستوى الذي قدمه الفريقان، معتبرين أن “كرة الدار البيضاء” لم تعد تعكس تاريخها ولا قيمتها.
ديربي بلا نكهة ولا تأثير
النتيجة السلبية (0-0) لم تُغير كثيرا في جدول الترتيب. الرجاء بقي في المركز الثاني برصيد 12 نقطة، بينما يحتل الوداد المركز الرابع بـ11 نقطة. لكن الأهم هو أن اللقاء كشف أزمة حقيقية في الكرة المحلية، حيث غابت الأفكار، وتراجع الإيقاع، وباتت المباريات الكبيرة تُلعب بدون روح ولا شخصية.
مقارنة بالماضي.. الهوة تتسع
من تابع ديربيات السنوات الماضية يدرك جيدا حجم التراجع. كنا نرى مباريات مليئة بالحماس، الفرص، والمهارات الفردية، أما اليوم فالمشهد مقلق. لم يعد الديربي يحمل تلك الهالة التي جعلت منه أحد أعظم المواجهات العربية والإفريقية. حتى الصراع التاريخي بين الناديين فقد بريقه بسبب غياب المستوى الفني اللازم.
كرة القدم المغربية في حاجة إلى مراجعة
هذا الديربي ليس مجرد تعادل سلبي، بل هو مؤشر على أزمة أعمق. الفرق المغربية تعاني من ضعف الإعداد الذهني والبدني، ومن غياب مشروع كروي واضح. الجمهور لا يريد شعارات أو تصريحات بعد كل تعثر، بل ينتظر أداء مقنعا يعكس قيمة الأندية وتاريخها العريق.
ديربي الدار البيضاء الأخير كان نسخة للنسيان، مباراة بلا مستوى ولا متعة، أكدت أن الكرة المغربية تمر بفترة ركود فني حاد. الجماهير وحدها حافظت على رونق الحدث، أما ما قدم فوق العشب فلم يكن سوى نسخة باهتة من صراع كان يوما عنوانا للفخر والهيبة.