تقارير

صعود استثمارات دول الخليج في الرياضة : ليست مجرد قوة ناعمة أو تلميع صورة ؟

متلك منصور بن زايد من دولة الإمارات نادي مانشستر سيتي، ويمتلك ناصر الخليفي من قطر نادي باريس سان جيرمان (PSG)، بينما يمتلك عبدالله بن مساعد من السعودية نادي شيفيلد يونايتد. وتمتلك شركة إنفينيتي كابيتال من البحرين نادي كوردوبا الإسباني. وترعى الخطوط الجوية القطرية عددًا من الأندية الشهيرة، أبرزها باريس سان جيرمان.

في حين أن طيران الإمارات ترعى أندية مثل مانشستر سيتي وريال مدريد. كما اقترح حمد بن خليفة آل نهيان من الإمارات مؤخرًا شراء حصة 50% من نادي بيتار القدس المرتبط باليمين المتطرف في إسرائيل. ووفقًا لتقرير شركة “براند فاينانس”، فإن نصف أغنى عشرة أندية في العالم تستفيد من الاستثمارات الخليجية في التملك أو الرعاية.

لماذا تستثمر دول الخليج في الرياضة، وخصوصًا في كرة القدم الأوروبية؟

تتناول هذه الورقة موقع دول الخليج، وتحديدًا قطر، الإمارات والسعودية، عند تقاطع الرياضة والسياسة، وتحلل أشكال اهتمامها بالرياضة، والدوافع وراء استثماراتها. وتجادل بأن المنافسة الخليجية الداخلية، والقوة الناعمة، وتلميع الصورة (sportswashing)، والتنويع الاقتصادي كلها عوامل تقف خلف هذه الاستثمارات.

أوروبا مركز الاستثمارات الرياضية

لطالما استخدمت الدول الرياضة لأهداف دبلوماسية، مثل الدعاية وكسب الهيبة الدولية. فعلى سبيل المثال، استخدمت ألمانيا النازية أولمبياد برلين 1936 وألعاب ميونيخ 1972 كمنصة لترويج أفكارها. وكذلك، كانت كأس العالم للرجبي 1995 في جنوب إفريقيا علامة على نهاية نظام الفصل العنصري، وأظهرت أولمبياد سيدني 2000 اعتراف الدولة بسوء معاملة السكان الأصليين.

على الرغم من أن الدول غير الديمقراطية لم تكن ترى قيمة الرياضة سابقًا، إلا أن اهتمامها بدأ يتزايد خلال العقدين الأخيرين، ووجدت الدول الخليجية الغنية بالموارد النفطية في قطاع الرياضة فرصة ثمينة لتنويع اقتصاداتها. ففي عام 2010، أعلن رئيس الفيفا السابق سيب بلاتر عن فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 قائلاً: “نحن ذاهبون إلى أراضٍ جديدة”.

الأندية الأوروبية تحديدًا تجذب المستثمرين بسبب عوائدها الكبيرة من مبيعات التذاكر، وتأجير الملاعب، والرعاية، وبيع البضائع، وحقوق البث التلفزيوني، وجوائز البطولات. ومن بين العشرين ناديًا الأعلى دخلًا في أوروبا، استثمرت دول الخليج في ثمانية منها، أبرزها استثمارات الإمارات في مانشستر سيتي، ريال مدريد، مانشستر يونايتد، وأرسنال، واستثمارات قطر في باريس سان جيرمان، برشلونة، وبايرن ميونخ.

أشكال الاستثمارات الخليجية في الرياضة

تأسست كرة القدم الحديثة في المدارس الإنجليزية، وبدأ تنظيمها دوليًا مع تأسيس الفيفا عام 1904. في الخليج، رغم حداثة المؤسسات الرياضية، إلا أن كرة القدم مرتبطة بتاريخ الدول نفسها، فالاتحاد السعودي تأسس عام 1956، والبحريني في 1957، والقطري في 1960، والإماراتي في 1971، والعماني في 1978.

منذ أوائل الألفية الجديدة، بدأت دول الخليج في دمج الرياضة ضمن رؤى التحديث الوطنية، والتي شملت أيضًا السياحة، العقارات، التقنية، والمالية. ومن أوائل الاستثمارات الإماراتية كان شراء مجموعة أبوظبي المتحدة لنادي مانشستر سيتي عام 2008 مقابل 360 مليون دولار، ثم استثمرت مجموعة الإمارات الملكية في نادي خيتافي الإسباني، وطيران الإمارات رعت ريال مدريد بـ336 مليون دولار.

قطر من جهتها اشترت باريس سان جيرمان عام 2011، وضم النادي لاحقًا نجومًا عالميين مثل نيمار، إبراهيموفيتش، ومبابي. كما رعت قطر أندية عالمية مثل بايرن ميونخ، روما، وبوكا جونيورز، وأصبحت شريكًا رسميًا للفيفا.

استضافة البطولات العالمية

تحولت دول الخليج إلى منصات رئيسية لاستضافة البطولات الكبرى. فمثلاً، استضافت قطر أكثر من 500 فعالية رياضية دولية منذ 2005، منها كأس العالم 2022. كما استضافت الإمارات بطولات مثل كأس العالم للشباب 2003، وكأس العالم للأندية 2009. ومن جهة أخرى، تنظم السعودية والإمارات بطولات الجولف، الفورمولا 1، والمصارعة الحرة (UFC).

الخاتمة :

تُعد استثمارات دول الخليج في الرياضة العالمية نموذجًا حديثًا يجمع بين الطموح الاقتصادي والرؤية الاستراتيجية لتحقيق القوة الناعمة وتعزيز المكانة الدولية. من خلال دعم أندية كرة القدم الكبرى واستضافة البطولات الرياضية العالمية، تسعى هذه الدول إلى تنويع اقتصادها، وبناء جسور ثقافية، وتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي. في ظل هذا التوجه المتصاعد، من المتوقع أن تستمر دول الخليج في لعب دور فاعل ومحوري في صناعة الرياضة العالمية، ما يعكس تحولًا نوعيًا في المشهد الرياضي الدولي وفرصة جديدة لفهم تأثير الرياضة كأداة دبلوماسية واقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى