
في الوقت الذي تُعاني فيه العديد من الأندية الإفريقية عامة، والمغربية خاصة من عدم الاستقرار الفني والمالي، يواصل نادي النهضة الرياضية البركانية (RS Berkane) صنع التاريخ، وكتابة واحدة من أنجح القصص الكروية في المغرب والقارة السمراء.
وبعيدًا عن “الصدفة”، فإن النجاحات المتتالية لهذا النادي هي ثمرة رؤية استراتيجية مدروسة، وعمل هادئ واحترافي يقوده رجال ظل في الإدارة، وخبرة فنية يقودها المدرب معين الشعباني، إلى جانب منظومة تكوينية تخرج لاعبين مميزين عامًا بعد عام.
نادٍ تأسس على قيم الصبر والاستمرارية
تأسس نادي النهضة البركانية سنة 1938 تحت اسم “الجمعية الرياضية لبركان”، وهو أحد أقدم الأندية المغربية. لكن نجاحه الحقيقي لم يكن آنيًا، بل جاء نتيجة تراكم العمل المؤسسي والاعتماد على هيكلة رياضية احترافية.
اليوم، يُعد الفريق من كبار الأندية في بطولة القسم الأول المغربي “البطولة برو 1″، ويُنافس بشراسة على كل الألقاب المحلية والقارية، بل وتمكن هذا الموسم من حسم لقب البطولة مبكرًا قبل نهاية الرزنامة، بعد أن تغلب على عمالقة الكرة المغربية كـ الرجاء الرياضي، الوداد البيضاوي، والجيش الملكي، مُثبتًا أنه الأقوى على الساحة الوطنية دون منازع.
نهائي الكونفدرالية 2025 : تتويج مستحق خارج الديار
في مشهد مهيب، توج نادي النهضة البركانية ببطولة كأس الكونفدرالية الإفريقية 2024/25 بعد تعادله 1-1 في مباراة الإياب ضد فريق من زنجبار. هذا التعادل منح الفريق البركاني اللقب بفضل نتيجة الذهاب، ليُثبت مرة أخرى أن RS Berkane فريق المناسبات الكبرى.
السر في “الرؤية” وليس في “الحظ”
نجاحات النهضة الرياضية البركانية لم تكن وليدة لحظة عابرة أو ضربة حظ، بل هي نتيجة رؤية استراتيجية طويلة الأمد، وإدارة واعية لا تؤمن بالحلول المؤقتة، بل تعتمد على تخطيط احترافي ومقاربة تنموية شاملة تشمل كل مفاصل النادي. وقد استطاع النادي بفضل هذا النهج أن يضمن الاستقرار الفني والإداري، ويُحافظ على مستوى تنافسي عالٍ محليًا وقاريًا.
القيادة الفنية الحكيمة
المدرب التونسي موين الشعباني لم يكن مجرد مدرب عادي، بل يمثل عقلًا مدبرًا وركيزة فنية أساسية في نجاحات الفريق. بخبرته الإفريقية التي راكمها مع أندية مثل الترجي التونسي، استطاع الشعباني أن يفهم الخصوصية الذهنية والبدنية للاعب المغربي، كما أدار غرفة الملابس بذكاء كبير، حافظ به على الانسجام وروح الفريق الواحد. أسلوبه التكتيكي المتوازن ومقاربته الواقعية لكل مباراة جعلت الفريق يظهر بوجه مشرف في كل المناسبات.
اختيارات لاعبين مدروسة
تعتمد النهضة البركانية على منظومة كشافة محترفة تعمل وفق معايير واضحة، ما يُساهم في جلب اللاعبين القادرين على التأقلم السريع مع أسلوب اللعب والانضباط الجماعي. لا مجال للعشوائية أو التعاقدات من أجل الأسماء فقط، فكل صفقة يتم تحليلها فنيًا وبدنيًا ونفسيًا قبل اتخاذ القرار. هذه المقاربة جعلت من الفريق وحدة منسجمة ومتماسكة، تتكامل فيها مهارات اللاعبين المحليين مع خبرات الأجانب بطريقة فعالة.
أكاديمية تصنع الأبطال
من أبرز أسرار تفوق النهضة البركانية هو استثمارها الذكي في الفئات السنية. الأكاديمية التابعة للنادي تُعتبر من الأفضل على الصعيد الوطني، لما توفره من تكوين شامل يجمع بين الجوانب التقنية والبدنية والانضباط السلوكي. هذه الأكاديمية تُعدّ خزانًا استراتيجيًا يُغذي الفريق الأول بلاعبين يتمتعون بالاحترافية منذ سن مبكرة، كما تُمثل موردًا ماليًا إضافيًا من خلال تسويق اللاعبين وتصديرهم نحو الدوريات الخارجية.
تسيير مالي رشيد واستباقي
النهضة البركانية تُعد من أنجح الأندية المغربية في الإدارة المالية. فالنادي يُدير ميزانيته بحكمة، بعيدًا عن التعاقدات المكلفة غير المجدية، ويُوازن بين الإنفاق على التسيير اليومي، وتطوير البنية التحتية، وتمويل الأكاديمية. الشفافية والالتزام المالي جعلا الفريق في منأى عن الديون أو المشاكل المالية التي تعاني منها أندية كبرى، مما ينعكس إيجابًا على تركيز اللاعبين والطاقم الفني، ويُعزز من استقرار الفريق.
تجنّب النزاعات وحكمة إدارية
من أبرز النقاط التي تُحسب لإدارة الفريق البركاني هي قدرتها على تجنب النزاعات القانونية والرياضية. فالفريق نادرًا ما يدخل في خصومات تعاقدية أو ملفات لدى الفيفا أو الاتحاد الإفريقي، ما يدل على قوة التفاوض ووضوح الرؤية القانونية. هذا الاستقرار الإداري يُمكّن النادي من التركيز على تطوير الأداء الفني والنتائج دون أن تُشتت جهوده في قضايا جانبية.
نادٍ عالمي بطموح إفريقي
مع هذا المسار التصاعدي، لا يبدو مستبعدًا أن يُصبح نادي النهضة البركانية ضمن أفضل الأندية في إفريقيا، بل ويحجز مكانه عالميًا، خاصة إذا استمر في:
- دعم الفئات السنية.
- الاستثمار في البنية التحتية.
- الانفتاح على التكنولوجيا في التحليل والتكوين.
- الترويج الذكي للعلامة التجارية للنادي.
سجل حافل بالبطولات: زعامة محلية ومجد قاري
لم تأتِ بطولات النهضة البركانية من فراغ، بل عكست مدى تطور النادي وتخطيطه طويل المدى:
🟢 البطولات المحلية:
- الدوري المغربي – Botola Pro1
🏆 بطل: موسم 2024/2025
🥈 وصيف: موسم 1982/1983 - كأس العرش – Coupe du Trône
🏆 فائز: أعوام 2018، 2020/2021، و2021/2022
🥈 وصيف: 1986/1987 و2014
🟣 المسابقات الإفريقية:
- كأس الكونفدرالية الإفريقية – TotalEnergies CAF Confederation Cup
🏆 بطل: 2019/2020، 2021/2022، و2024/2025
🥈 وصيف: 2018/2019 و2023/2024 - كأس السوبر الإفريقي – CAF Super Cup
🏆 فائز: 2022
🥈 وصيف: 2021
هذه الإنجازات جعلت من RSB فريقًا يُحسب له ألف حساب في القارة، وهو مرشح بقوة ليكون أحد أعمدة كرة القدم الإفريقية في السنوات القادمة.
الختام : نادٍ يكتب التاريخ بهدوء
النهضة الرياضية البركانية ليست مجرد نادٍ يحقق البطولات، بل هو نموذج يُحتذى به في التسيير والتخطيط والعمل من الظل. وقد آن الأوان للاعتراف بأن بركان أصبحت ليست فقط مدينة رياضية، بل عاصمة مستقبل كرة القدم المغربية والإفريقية.